Sunday, May 6, 2007

وفي الحوار المتمدن وشباب مصر

البلياتشو..البراءة عندما ترفض أن تغادرنا


كتب محمد عبدج الخالق - تشعر بمجرد أن تمسك مجموعتها الأول (البلياتشو) أنك أمام عالم من البهجة يبدأ من تصارع الألوان الساخنة على الغلاف الذى يحمل صورة تم تحويل معناها كليةً ببراعة فنان أراد اللعب على المتناقضات من خلال تقديم المعنى عبر نقيضه فنجح وكان له ما أردا.
دعونا إذاً نتعامل مع نصوص القاصة الشابة شيماء زاهر باعتبارها بناءً جديداً نلتمس الطريق إليه عبر مداخله التى حتماً ستصل بنا لأعماقه.دعونا إذن نتمهل أمام غلاف المجموعة ونعتبره أول مداخل هذا البناء والذى -رغم بساطته- يحمل معان عديدة؛ الغلاف فقط دون اسم المجموعة أو وصفها (قصص).يطالعك فى الغلاف صورة مهزوزة لرجل مرور يقف على رجل واحدة وقد رفع إحدى يديه لأعلى وقد حول فنان الجرافيكس صورة رجل المرور التى قد تحمل معانى المسئولية والتعب والإرهاق والأعصاب المشدودة إلى معانى المرح والبهجة وما يكمل هذا المعنى عنوان المجموعة (البلياتشو) فتشعر فجأة وللوهلة الأولى أنك أمام صورة للبلياتشو لا لرجل المرور.كانت هذه المفارقة فى الغلاف أول ما لفت انتباهى للمجموعة وجعلنى ابدأ فى قراءتها بشىء من الحذر؛ وشعرت أنه يجب ألا أتسرع أو اطمئن للمعنى المباشر لما سيأتى داخلها.بعد الانتهاء من الغلاف (صورته واسم المجموعة) يقابلنا تصدير مباشر لكاتب ألمانى يدعى "أيرش كيستنر" يقول فيه:يولد الناس ثم يكبرون ...ولكن فقط من يكبر ... ويظل بداخله الطفلهو من يمكن أن نطلق عليه إنسانا ...بعد هذا التصدير يتأصل الشعور بأن هناك قصداً لتوجيهك وجهة معينة، فالإلحاح على معانى الطفولة وما يتصل بها من بهجة يثير التساؤل حول ما إن كان هناك قصداً لهذا التوجيه أم أن الأمر لا يتعدى المصادفة التى لا تترك لك وجهة أخرى تتوجهها، فنادراً ما يجتمع المداخل الثلاثة لأى نص (العنوان – الغلاف – التصدير) على معنى معين واضح وصريح.وإذا اعتبرنا أن الغلاف والعنوان والتصدير مجرد مُهيِّئات نفسية فإنه عند الولوج إلى عالم النصوص (البناء نفسه) يتحقق لنا المعنى الذى يطاردنا من البداية والذى كنا نرفض الاستسلام له دون تأكد، وهو المعنى الذى يطالعك بوضوح فى كل قصص المجموعة تقريباً إن لم يكن فيها كلها بالفعل.لم تكن ستة قصص فقط من إجمالى قصص المجموعة الـ15 تدور فحسب حول الطفولة مباشرة؛ بل كانت باقى قصص المجموعة التى تناولت شخصيات ناضجة تدور حول الجانب الطفولى الخفى الذى يعيش معنا مهما كبرنا أو مرت بنا السنون.
أما على الجانب الفنى للمجموعة؛ فجاءت قصص المجموعة مكثفة بشكل مناسب يسمح بتقديم الفكرة فى إطار ممتع بعيداً عن إسهابات القص التى تناسب فن الرواية أكثر.ولو تناولنا قصة (البلياتشو) كنموذج وقمنا بتشريحها سنجد أنه:
1-على مستوى الحدث: تتحدث القصة عن حلم طفلة بزيارة السيرك لرؤية البلياتشو الذى يمثل لها عالماً سحرياً، ولكنها بعد انتهاء زيارتها ترفض الاعتراف بحقيقة أن البلياتشو مجرد شخص عادى مثله مثل باقى البشر
.2-على مستوى الزمن: يمتد زمن القصة فى حدود ضيقة لا تتعدى ساعات، تقدم فيها الطفلة البطلة قضيتها التى تمسكت بها للنهاية وهى رفض الحقيقة
.3-على مستوى الشخوص: ولا نكاد نرى فى اللوحة التى رسمتها القصة سوى شخصين فقط ناضجين (الأم - البلياتشو) وباقى اللوحة مليئة بالأطفال؛ وإن كان البلياتشو بالنسبة للطفلة بطلة القصة مخلوق مختلف غرائبى أى تقتصر اللوحة على الأم فقط وسط عالم من الطفولة وكما نرى يقتصر دورها على مجرد توصيل الطفلة البطلة للسيرك (مكان الحدث) حتى فى نهاية القصة لا نجد لها دوراً مؤثراً ولم تتمكن من تغيير مفهوم ابنتها عن البلياتشو
.4-على مستوى المكان: دار الحدث الرئيسى للقصة داخل السيرك وحول البلياتشو بكل ما يحتويه المكان من مفردات وألوان مبهجة خاصة وجاذبة للأطفال.ويكمن الاختلاف من وجهة نظرى فى هذه القصة أنها لم تكتف بأن تأتى مفرداتها جميعاً طفولية (الحدث - الزمان – المكان - الشخوص) بل وتتعدى هذا إلى رفض الحقيقة والرغبة فى الاستمرار فى حلم طفولى وهمى.ولما كانت فنون القصة والرواية والمسرحية فنون تعتمد فى طبيعتها على خبرة الكتابة بالإضافة إلى الخبرة الحياتية التى تنمو وتثقل بالتجربة على عكس فن مثل الشعر؛ فإن المشاكل الفنية والمآخذ التى تؤخذ على المجموعة يمكن اعتبارها شىء عادى جداً أن يحدث فى أول تجارب الكاتب ويمكنه تفاديها بسهولة فى أعماله القادمة ولو على مراحل.يمكننا الحكم على (البلياتشو) كأى عمل، أما الكاتبة نفسها فلازلنا ننتظر منها الكثير فى مجموعاتها القادمة وهذا سيكون بحق التحدى الحقيقى الذى يواجهها فهل ستتمكن من الخطو بثبات على الدرب أم ستكون (البلياتشو) مجرد كتابة للنفس؟ أعتقد أن شيماء قادرة على إمتاعنا مرة أخرى بعمل أجمل وأكثر نضجاً من عملها الأول.تمت مناقشة المجموعة فور صدورها بساقية عبد المنعم الصاوى بمشاركة الدكتورة سحر الموجى، والأستاذ يسرى عبد الله، ولاقت المجموعة استحسان المناقشين والحضور فهى إذاً البراءة الحقيقية التى تفجرت من الكاتبة دون قصد، هى حقيقتها التى فرضت نفسها على كل الأشكال التى حاولت كتابتها، نعم ففرصة معرفة شيماء زاهر عن قرب أكدت لى أيضاً نفس المعنى بكل ما تحمله من براءة وطفولة إنسانية نادرة ذكرتنى بمقولة لكاتب ألمانى قال:يولد الناس ثم يكبرون ...ولكن فقط من يكبر ... ويظل بداخله الطفلهو من يمكن أن نطلق عليه إنسانا
...
.